هناك مغالطة مهمة في حق الشعارات وتصميمها، للأسف يرتكب جزء منها مصممو الشعارات أنفسهم، ففي حين يحاول قطاع التسويق من زاوية معينة حصر شكل وتوجهات الشعارات في وجهة واحدة بغية تحقيق منافع تسويقية، لا يزال الأساس الذي ينطلق منه تصميم الشعارات فنياً بحتًا.
نجد من يحاول حصر الشعارات ضمن نطاق الفكرة الإبداعية الذكية اللماحة، وهذا القسم من التفكير منتشر بشكل كبير عربياً، حيث نجد وبشكل واضح استنقاصاً في حق الشعارات التي لا تمثلك فكرة معينة خلفها، ونجد الاعتراض القائم يبرر ذلك بأن الشعار لا يترجم فكرة المنتج أو ما يقدمه وأيضاً لا يعتمد على قواعد تصميم الشعار، تلك القواعد التي لا تعتبر قواعد بقدر ما هي خطوط عامة قد تفيدك في تقديم الشعار بالشكل المناسب، لكنها لا تفرض عليك الشكل الذي يتوجب أن يكون عليه، بل بالعكس؛ قطاع التصميم يمكنه تغيير كل تلك القواعد.
في خضم العمل والمشاريع المتتالية، وأيضاً للتأثير الكبير لبعض المتحدثين من يجدون في أنفسهم سلطة قمع المبتدئين كما نراه أحيانًا في فن الخط العربي الذي يفضل السير بعقلية “المَشيَخَة”؛ أي أن تتبع معلمك في كل كبيرة وصغيرة، يصبح المصمم منكباً على تصميم شعار يعجب الآخرين وينال موافقتهم والإشادة منهم، ما يفقده ميزة مهمة وهي أن ما يقدمه يبقى فنًا قبل كل شيء. ويصبح ملزماً بالعمل على فئة معينة من الشعارات، ينسى معها الاهتمام بالفنون المختلفة، وينسى أن فن الشعارات من الفنون المتحررة القليلة التي تستطيع التأقلم مع أي أسلوب أو مدرسة فنية أو حتى تنفيذ. وينسى المصمم كذلك أن الشعار من بين مهامه تمييز نفسه عن بقية الشعارات حتى ولو كان ينتمي إلى تصنيف من تصنيفاتها التي تحدثنا عنها من قبل، أن يجعل المنتج أو الخدمة مختلفة عما هو موجود، وهذا لا يمكن حصره في الشعارات الذكية ذات الفكرة اللماحة. قد يكفي له أن يتيمز بالجمال في الأسلوب والتنفيذ.
وعلى الرغم من تناولنا لهذا الموضوع سابقًا ومن زاوية أخرى، إلا أننا نجده مهمًا التذكير بأن التصميم الغرافيكي عمومًا هو فن تجريبي بالأساس، من الأشياء الممتعة فيه هي تجربة الأفكار والأساليب الجديدة، استخراج توجهات بصرية جديدة لم يتطرق لها أحد من قبل، أو تجديد توجهات سابقة، أو دمج تلك الأفكار والأساليب والتوجهات ببعضها البعض، ونفس القاعدة تنطبق على فن الشعارات.
لقد بدأ تاريخ الشعارات الحديث مع الشعارات الختمية التي تميز سلع التجار بعضهم عن بعض، وتطور مع الوقت ليشمل أساليب ثورية، من فن الخط – calligraphy – إلى الرسومي إلى التجريدي الذي لا يخضع لأي قاعدة سواء في الحجم أو اللون أو الأبعاد، ومع هذا لازلنا نصادف التعليقات المعارضة لمن يحاول تقديم شيء مختلف كونه غير مألوف لما هو منتشر في السوق. وتبقى هذه المعارضة غير منطقية كون لا أحد يملك سلطة على المصمم في فرض توجهه أو رؤيته لما يتوجب على شكل الشعار أن يكون، لكن قسم التسويق دوماً يجد له مخرجاً لتغيير كل تجربة لغايات تسويقية بحتة بناء على ما هو موجود في السوق “لأن هذا هو الوضع“!!.
لو عدنا إلى مقررات معاهد الفنون بشكل عام سنجدها توفر في السنوات الأولى من الدراسة تنوعاً مهماً للطلبة، بين الرسم والرسم الزيتي إلى الزخرفة إلى الخط إلى التصميم الداخلي إلى تصوير إلى نحت وغيرها. أولًا حتى تتيح لكل طالب اكتشاف توجهه الفني الخاص، فالطالب الذي كان يحب الزخرفة والمنمنمات على سبيل المثال، قد يتكشف أن شغفه الحقيقي في التصميم الداخلي، وثانياً يتيح هذا التنوع للطلبة اكتشاف بقية التخصصات التي تدعم بعضها البعض، وهنا تأتي النقطة التي يرتكز عليها فن تصميم الشعارات، فهو فن يستطيع الأخذ من كل الفنون الأخرى وتطويعها، يستطيع المصمم الفذ التنقل بين مختلف الفنون البصرية دون الحاجة للتخصص فيها بشكل كامل، يستطيع دمج هذه الفنون، على سبيل المثال يمكن للمصمم تعلم أساسيات فن الخط العربي، ومن ثم تطويعها لينتج شعارًا حروفياً، وبعدها يمكنه التعامل مع البرامج الرياضية لاستخراج نمط بصري قد يقوده إلى تصميم شعار لجامعة تقنية، وهذا كله ضمن الملاحظات العامة التي تعتمدها الشعارات، فتتلخص فكرة كاملة ضمن رمز بسيط صغير، وهذا التحدي يتطلب قدراً كبيراً من المرونة والانفتاح وايضاً الانضباط، ولهذا السبب تحديداً يتراجع عدد من مصممي الشعارات، ويكتفون بأساليب معينة في التصميم، ويحدث أن تتم مهاجمة الأساليب المخالفة، لكن ما أن يتم التأقلم مع هذه الأساليب حتى تصبح أمرًا عادياً ومحبوبًا ومرغوباً به.
لكن بعد كل الذي قلناه، ينسى المصممون أنفسهم في غمرة العمل أن المتعة في الرموز والشعارات هي اكتشاف الجمال فيها، فلا يهم ان قدمت شعاراً ثورياً، أو شعاراً عادياً، يبقى المهم – وهذا رأي شخصي – أن تقدم شعارا جميلا، سواء بحثت في الفنون الأخرى لجلب شيء جديد، أو أكتفيت بأسلوبك الخاص، المهم أن يكون ما تقدمه عملاً فنياً يسر الناظر إليه.
——
الصور من كتاب Los Logos 4، حيث مجموعة من الشعارات المختلفة عن السائد حالياً.
صحيح تصميم الشعار فن قائم بذاته لكن ثقافة الشعار مازالت ضحلة في الوطن العربي والكثير من الجهات لا تهتم به ولا تخصص له ميزانية توافيه حقه.
مقال ممتاز جدا شكرا لك
من الامور الجديده التي تعتبر مقيده لهذه المرونه “النسبه الذهبيه” بالبعض يراها اضافه ليست فنيه فقط وانما ايضا ماليه ودليل على احترافيه في العمل. في اعتقادي لا يهم ان يعكس الشعار فكره معينه تدل على مشروع معين بدلالات واضحه ولكن جمال الشعار بحد ذاته كافز
السلام عليكم ورحمة الله..
فنان موهوب بمعنى الكلمة ماشاء الله تبارك الله، و التصميمات كل وحدة احلى من الثانية وتلهم الناظرين لا اله الا الله…
اخوي هل تعطي دروس اون لاين او على التيليقرام؟ ياليت يكون الجواب “نعم” لان صراحه جدا معجبة بتصاميمك
تعقيباً على ما قيل فالمقالة من واقع تجربة: التحقت من فترة بمجموعة للمصممين في مبادرة خير قام عليها أحدهم وما حصل كان آنه كنا نستلم المواد و الفيديو التعليمي للدرس المعطى مع العلم اني لم اعلم بذلك حتى اترئا لي انه الكل استخدم نفس المواد المتاحة وحضرتي دخلت عمي قوقل ودورت المواد لي انا اريد ادمجها وقمت بالدمج على طريقتي الخاصة وبصوري الخاصة، والعتب كان اني لم القَ اهتمام بالذات باني اتخذت هذه الخطوة مع علمي انه المفروض المصمم يطلق العنان لخياله وابداعه ليتمكن من احتراف ما يحب وليس ما يكلّف به من جهة احدهم وان كان معلمه، مفروض الدرس تعطيني اياه وانا اتكفل بالباقي وعليك تقييم العمل بخبرتك كمشرف.
مقال رائع الله يبارك فيك
مدونة ثرية ومقالات ممتعة ومفيدة جدا .. جزاك الله خيرا
شكراً لك، فعلاً تصميم الشعارات يحتاج مهارة ودراسة .. مقالك رائع