من بين الحوارات التي لطالما أردت أن تكون بين تدوينات حمود آرت، مع الخطاط عبدالغني شعير، أتابع شعير من سنوات طويلة من أيام موقع ديفيان آرت!! حيث كان ينشر أعماله بالاضافة إلى حساب آخر ينشر فيه أعمالًا رائعة لخطاطين عرب وغيرهم، وبعدها انتقل الأمر إلى الفيسبوك والانستغرام وبقية شبكات التواصل، وبقيت أتابعه باستمرار حيث بدأ أسلوبه يتطور وأسس شركته الخاصة، ثم جاءت تلك اللحظة التي قلت فيها “يستحق الأمر أن أجري معه حوارًا” :))، وقد وافق بطيبة، وشعرت للحظة أني ضغطت عليه وأزعجته وسط انشغاله، هذه المرة حاولت التجديد في الأسئلة وطرح مواضيع مهمة والخوض فيها مباشرة دون مقدمات:
عبدالغني، ذكرت مرة أنك كنت تستمتع بانجاز المخطوطات يوم كانت لمتعتك الخاصة وليس ليراها الآخرون، أما الآن فقد أثرت شبكات التواصل على هذه المتعة، ما الذي تغير؟
بداية ممارستي للخط كانت من دافع حب ذاتي لهذا الفن الذي يحمل وراءه تاريخًا طويلًا لحضارات عربية كثيرة وأئمة في الخط وفترات زمنية متقلبة صمد هذا الفن حاملًا مذاهب متعددة وأساليب كل فترة مر بها، نشأت على أن ممارسة الخط هو امتداد لهذا التاريخ والحفاظ على الرسالة التي يحملها، فمحاولة إتقان الحرف كان نجاح ذاتي يحمل سعادة خاصة ليس لها علاقة بمدح الآخرين أو آرائهم. الخطاط دائما ينتظر رأي أستاذه أو رأي النقاد ليستفيد ولا يبحث عن معجبين أو نجومية. حينما دخل الخطاط مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض تسويقية وأصبح يبحث عن معجبين ليوسع رقعة انتشاره ارتبطت السعادة والنجاح الذي كان يحققهما سرا بآراء من لا يفقه في الخط، بل بإعجابهم وليس بآرائهم. فإذا كانت عدد المشاهدات قليلة والإعجابات قليلة فهذا لا يسره، والأعجب أنه في حال ازدياد عدد الإعجابات فإن السعادة مدتها تكون قصيرة لحين توقف عداد الإعجاب في نفس اليوم. والمشكلة الأكبر (وأتكلم عن نفسي) أن مدة تنفيذ العمل أصبحت لا ترتبط برضى الخطاط عن ما وصل إليه في العمل ولكن عن تصوره لرضى المشاهدين والمعجبين عن العمل، وبما أنهم ليسوا متخصصين إذا فلنكتف بهذا الجهد البسيط ولا داعي للتعب في شيء لن يراه الناس ولا يفهموه. وهذه المشكلة مررت بها لما ابتعدت عن أساتذتي الفترة الأخيرة بسبب انشغالي بعملي، لكني عدت والحمد لله ?
ما الذي تركز عليه أكثر حاليا؟
قضيتي الأساسية هي نشر أهمية الحفاظ على الهوية العربية من خلال الخط العربي كأحد أهم الفنون التي تعبر عن هويتنا بصريا، تركيزي الأخير على شركتي التي مر على إنشائها ثلاث سنوات خضت فيها الكثير من التجارب التي أفادتني كثيرا ووجهتني إلى أهمية التخصص أكثر وأكثر كشركة وكـ شخص. أحاول الفترة الأخيرة التركيز على الحرف العربي وحمل قضيته بشكل أكبر وأوسع تاركًا مجالات كثيرة تخص الدعاية والإعلان. أحاول دراسة كيفية دخول الحرف العربي في عمل هوية كاملة، في شعار وأيضا في الرسم، نحاول أنا وفريقي إنتاج أكثر من أسلوب للحرف واستخدامه في أكثر من تخصص. البحث هذه الفترة جذري أكثر وليس سطحيا، نبدأ من التاريخ ونمر على الأعمال المعاصرة لعلنا ننال شرف المشاركة في تاريخ الحرف العربي.
كون العملاء على الأغلب تواصلوا معك بسبب أسلوبك الخاص، فهل يمكن أن تتناسب فكرة تقديم شيء جديد في الخط العربي ودفعه للتطور وفي نفس الوقت أن يقبل العميل بهذا التجديد؟
العميل يذهب للمصمم بعد أن يرى أسلوبه، فالتجديد في نظري لابد أن يبدأ قبل أن يأتي العميل، فالأعمال الفنية مثل البضاعة، يريد العميل أن يراها أولا ليطمئن، فمن الصعب إقناع العميل بأسلوب جديد غير الذي رآه عندي على موقعي، إلا إذا كان العميل أصلا يريد شخصا يرى فيه التجديد والمرونة ويريد عملا مميزا جدا عن كل ما هو موجود عندي أو عند غيري، وهذا نادر جدا.
ما المشكلة التي تقف بين الخطوط التقليدية والخط الحر؟
ليست هناك أي مشكلة بين الخطوط التقليدية والخط الحر، فهذا تراث قيم ثابت والأخير فن متغير يلبي احتياجات كل فترة نعيشها بثقافتها ومتطلباتها. الاثنين موجودين من قديم الأزل حتى أثناء ابتكار الخطوط التقليدية كان هناك خطوط حرة لأغراض معينة لكنها لم تستمر مع الزمن مثل الخطوط التقليدية التي تطورت حتى وصلتنا وقد استوت وتم الاتفاق عليها.
لعلك تقصد المشكلة التي تقف بين الخطاطين التقليديين والخطاطين التشكيليين أو الجرافيكيين. هناك الكثير من التقليدين يرون وجوب الحفاظ على فن الخط العربي بصورته الكلاسيكية أو التقليدية لأن ما دونه يعتبر عبث بالتراث، وعلى الجانب الآخر تجد الكثير من الحروفيين أو المنشغلين بالحرف بشكل عام يرفضون الوقوف عند ما وصل إليه القدماء ويرون أن في هذا إلغاء لنا ولشخصيتنا وروحنا وبهذا سنكون فقط نسخ مكررة متشابهة. وهناك أيضا في فئة من التقليديين والحروفيين يرون أهمية وجود الفريقين، يرون أهمية وجود التراث والتاريخ بجانب الابتكار والتجدد وأنه لا يوجد أي تعارض أبدا بل كلا الفريقين يحتاجان لبعضهما البعض ويكملان بعضمها البعض، وأنا منهم ?
هل تركز شركتكم شركة “المكتب” على الخط العربي أكثر؟ وبالمناسبة حدثني عنها أكثر.
المكتب هو ستوديو تصميم متخصص فى الهوية البصرية العربية تركيزها الأساسى على القضايا المتعلقة بالحرف العربي و امكانية توظيفة فى كل تطبيقات فن الجرافيك
Illustration, lettering, calligraphy and typography logos, نسعى كفريق ان تكون أعمالنا مستلهمة من المصادر التاريخية أو الأصيلة لفنون الخط و الزخرفة و الرسم لإيجاد معالجات جديدة تطبق فى أعمالنا حيث أن الغالب فى مجالنا هو الاستلهام من المصادر الأجنبية أو تقليدها و هو أمر مزعج لي شخصيا ويشغلنى دائما لماذا لايكون لنا أسلوب مميز؟ هل الحداثة مقتصرة على الاستلهام من المصادر الأجنبية فقط؟ بالتأكيد لا فنحن عندنا الكثير من التراث لنستلهم منه لكنه يحتاج بحث ومجهود ومعايشة وهذا دورفريق المكتب للوصول لهذه المعالجات الجديدة والأصيلة.
كيف تبدو لكم المنافسة بين وكالات التصميم والدعاية والاعلان في السوق الخليجي، السعودي تحديدا؟
للأسف لم أتواجد بصفتي في السوق الخليجي، فقط أتعامل معهم عن بعد.
ذكرت ذات مرة أن طموحك أن تصبح مثل وسام شوكت! سؤال سخيف: كيف ولماذا؟
وسام شوكت خطاط مجتهد، هناك الكثير مثله ومن هو أقوى منه من حيث الإجادة الكلاسيكية أو من حيث الابتكار والتجديد. ما يعجبني في وسام شوكت هو المرونة الكبيرة وتنقله بين الكلاسيكية والأعمال الجرافيكية التي يحتاجها السوق والتجديد والمعاصرة يكل سلاسة. يجيد ممارسة كل تخصص منهم بتركيز عال. إن شاء الله في طريقي لأصبح مثله وطموحي أن أتفوق عليه، فهذا ليس صعبا، لكن شهادتي له بالتميز والنجاح كانت من شدة إعجابي به وباجتهاده، وهذا ليس مستغربا على أهل العراق.
كوني تعلمت خط النسخ فترة وتابعت الكثير بشأن الخط العربي بدا ظاهرا لي أنه ينتمي لما يشبه المشيخة وهناك معلم ومرشد – وسام شوكت لم يكن له معلم – هل سيأتي يوم تتخلص الأجيال الجديدة من هذا الأسلوب؟ أم أنه ضرورة؟ وكيف تعلمت أنت؟
المُعلم في الخط له دور كبير عبر التاريخ، باعتبار أن هذا الفن له تاريخ وجذور وأسرار، دوره يكمن في هذه الأسرار، فالتعليم فيها يكون بالتلقي. هناك خطاطين عظماء سيذكرهم التاريخ، على في رأيي هم من سلكوا الطريق الصحيح في التعلم بأسلوب التلقي عن أستاذ، وهناك خطاطين موهوبين نجحوا في وقتهم في إنجاز أعمال مبهرة وجميلة لكنها ليست محطة تاريخية.
المعلم أيضا له دور كبير في توفير الوقت على الطالب فربما يوفر له السنين في التعلم.
هذا لا ينفي أبدا أهمية الاجتهاد الشخصي والذي لا يقل أهمية أبدا عن دور الأستاذ بل دور الاجتهاد أكبر بكثير، فإعمال العقل والحس هي التي تصنع الفنان وليس الأستاذ.
أما أنا فتعلمت على يد الأستاذ مصطفى عمري والأستاذ أحمد فارس والأستاذ علي ممدوح، ولكن وللأسف في مدد قصيرة متقطعة وباقي العمر اجتهاد ذاتي وأتمنى أن تتيسر الأمور وأعود للأساتذة.
– على ذكر السؤال السابق، هل جربت تصميم خطوط طباعية؟
لم أجرب، ولكني اشتغلت فترة على مجموعة جمل وكلمات بأسلوب واحد، وطلبت مني المؤسسة تصميم هذا الخط لهم ولما وجدوا السعر مرتفع بدا لي أن أقوم بتصميمه لنفسي ?
– شكرا جزيلا على قبولك اجراء الحوار، كلمة أخيرة عبدالغني 🙂
هذه فرصة لي أن أقول أن مدونتك كانت لي خير باب لفهم الكثير عن الهوية العربية وعن فن تصميم الشعار، فأنا مدين لك بهذا الجميل وبالتأكيد هناك الكثير مثلي تعلموا من موضوعاتك المتنوعة واسلوبك الشيق فأتمنى أن تستمر وتطور أكثر فأنا أتمنى أن أكون مثلك يوما ما وأهتم بمدونتي وأكتب عن الخط العربي باستمرار.
كما أحب أن أشكرك على دعوتك لي فهذا شرف كبير ومن أهم أحدث عام 2017 تقريبا وبداية مبشرة لهذا العام ?
وأخيرا أتمنى أن يكون لك حوار مع خطاطين آخرين أو تكتب عن الحرف العربي تتناول قضيته.
وشكرا لك مرة أخرى عصام حمود ?
———-
هنا حسابات الخطاط عبدالغني شعير:
تويتر | انستغرام | فيسبوك
يااستاذ انا خطاط واعشق الخط ممكن بعض الدروس الاضافيه