من الصعب أن تتحدث وتوثق تجاربك الخاصة سواء كمصمم مستقل أو كموظف ضمن شركة، لذلك فالحديث هنا في مجمله دمج بين خلاصة التجارب الخاصة وخلاصة التجارب التي تتعلمها ضمن فريق ومؤسسة، في النهاية ما تتعلمه سيصبح جزءً منك. سأتحدث عن التصميم والهويات البصرية والمراحل التي تسير فيها. ولتفهم ما أقصد بالعلامة التجارية والهوية البصرية فأنصحك بمطالعة هذا المقال.
لم يكن أسلوب العمل محدداً من البداية بل مر بمراحل عديدة ولا يزال يتطور حتى الآن، يوم بدأت كنت تعمل على تصميم شعارات وهويات بصرية ففي البداية كان الأسلوب تقريباً هو نفس الأسلوب الذي اتعبته يوم عملت كمصمم مستقل، حيث تتلقى ملخص المشروع المطلوب عن طريق البريد أو في اجتماع صغير مع العميل، ثم تبدأ بالتفكير في الشعار وتقديم بعض الخيارات ومن ثّم بعض التطبيقات البصرية، كما أن عملك كان ولا يزال حتى اللحظة ينتهي عند تسليم ملفات التصميم حيث لا يمتد إلى الطباعة والتنفيذ إلا في حالات خاصة جداً، إلا مؤخرًا قد تتغير الأمور.
مع الوقت تكتشف خللًا في الأمر، فقد كانت بعض المشاريع تبدو منهكة خلال العمل؛ ولا تعرف كيف تجد أفكارًا لها، وبعضها الآخر لم يتم فهم العميل فيها جيداً، وأحياناً يتم تقديم الأفكار فتجد العميل يرفضها لأن ما قدم له غير الذي طلبه، بالإضافة إلى أن المشاريع كانت تفتقد لعرض قوي لخلفيتها وتسويقها بالشكل اللائق للعميل، ولم تكن هناك مشكلة من الناحية البصرية إلا نادرًا، لكن التجربة كلها كانت تحتاج لشيء يثبت أقدامها، ويجعلها تسير بشكل سلس وتحقق الغاية منها، وكان سبب آخر يدفع بهذا الاتجاه هو القراءاة المستمرة عن صناعة العلامات التجارية والهويات البصرية، تعلم جيدًا أنه ينقص الكثير لتحقيقه.
الأسئلة:
لذلك بدأ الاهتمام أولاً بالاستماع إلى العميل جيدًا، يجب أن يجتمع فريق التصميم بشكل أو بآخر بالعميل، جلسات العمل هذه تحتم عليك معرفة كل شيء عن المشروع، فكرته، تاريخه، أهدافه، حجمه، نقاط قوته وضعفه، إلى أين يود العميل الذهاب بهذا المشروع، ماهي فرص تطوره، ما الذي يحبه العميل في الهويات وما الذي يكرهه، توقعاته.. مجموعة أسئلة تزيد أو تنقص تختلف أو تتشابه من عميل لآخر، بعدها تبدأ الجلسة الخاصة حيث ترتب كل الاجابات التي تم التوصل إليها ضمن شريحة عرض واحدة تلخصها ضمن أنفوغرافيك بسيط. وتقرأها وتفهمها جيداً.
هذه الأسئلة تأتي بالأساس لمعرفة استراتيجية العلامة التجارية التي ستعمل بناءًا عليها، وهو في الحالات التي لا توجد فيها استراتيجية للعلامة التجارية أو في الحالات التي لم تشارك في وضع هذه الاستراتيجية من البداية، حيث هناك مشاريع تشارك في وضع استرتيجيتها وهي تلتزم مراحل عمل أخرى غير معنية بالتصميم ومشاركة المصممين فيها غالبًا جزئية، ولذلك يفضل الحديث عنها في مقال آخر منفصل. لأن هذه الاستراتيجية تضع الخطوط العريضة الأساسية لعملنا كمصممين، أنت تبدأ من نتائج هذه الاستراتيجية التي توضع بين يديك كمصمم.
البحث البصري:
بعد مرحلة الاسئلة تبدأ بحثاً بصرياً يركز على تجميع وفلترة المشاريع التي تدور في فلك مشروع العميل، بين المشاريع العالمية، والمشاريع المحلية والمنافسين أيضًا، التركيز هنا يكون بصرياً بحتاً، يتركز على أمور أساسية بين التصوير والخطوط الكباعية والألوان والأساليب وشخصيات العلامات، الجاد منها والمرحة ربما، تركز على اختيار أفضل المشاريع من وجهة نظرك وبناء على خبرتك؛ حيث تعرض أجزاء منها بين التطبيقات الطباعية وحتى تطبيقات الويب، هنا يعود إليك أسلوب تجميعها، سواء بطبعها وعرضها ضمن لوحة كبيرة ليكون التفاعل مباشراً خلال الاجتماع بالعميل، أو من خلال عرض على الشاشة على هيئة شرائح، ولو أن هذا العرض متعب نوعًا ما. وبعد الانتهاء من البحث البصري هذا تأتي جلسة جديدة مع العميل تعرضها عليه، هنا التركيز يكون على خيارات العميل، أي المشاريع التي عرضت في البحث البصري كانت تغريه أكثر؟ ما المشروع الذي تجاهله أو حتى أوصى بعدم تقديم خيار يشبهه؟ هذه الجلسة تعتبر أهم جلسة فهي تريك الطريق بالتحديد وإلى أين ستتجه بصريا وكيف ستضع أساس عملك، لن تعمل تائها بعد أن تعرف آراء العميل حول كل مشروع عرضته له. كذلك تعرض له لوحات ألوان خاصة ومجموعة خطوط وأيضا أساليب تصوير، هذا يسهل عملك للغاية.
الأسئلة + البحث البصري = المطلوب تنفيذه بالضبط
مرة أخرى بعد الانتهاء من الجلسة الثانية تُلخص هي الأخرى ضمن شريحة بجانب الشريحة الأولى. وعلى أساس ما استخلصته من المرحلتين السابقتين تبدأ المرحلة الأخيرة من العمل، حيث تأتي عملية رسم خيارات الشعار أولا، والتي كذلك لا تبخل في أن تكون مختلفة ولضمان ذلك تساعد جلسات العصف ذهني لتضع معها خطوطا عريضة لأفكار الشعارات، وتعمل على أن لا تشارك المصممين الآخرين الأفكار، كل واحد عليه العمل مستقلا عن الآخر حتى لا يؤثر أحدهم على الآخر بتوجهاته البصرية. يتخلل هذه العملية مشاركة الشعارات الأولية مع بقية الموظفين أو الأصدقاء، بعض الأفكار تتعرض للسخرية الشديدة وبعضها بالاشادة، في العادة لا مجال للمجاملة هنا، يجب أن يقدم كل فرد رأيه بصراحة.
عندما تجهز الخيارات الأولى للشعار، تأتي مرحلة تطوير هوية بصرية تتماشى وفكرة كل شعار تم تصميمه، حيث تتمثل في مجموعة تطبيقات بصرية – قرطاسيات، سيارة، حقيبة، ملصق – لا تنفذ تصاميم نهائية لهذه الهويات إلا بعد أن يختار العميل إحدها، فالتطبيقات المعروضة تعطيه لمحة وتصورًا لشكل الهوية النهائي وإلى أين تتوجه اللغة البصرية لعلامته التجارية. وفي هذه المرحلة تكون في ملعبك كمصمم، فخبراتك وقراءاتك وكل التجارب التي تود القيام بها تتوفر أمامك، مثلا بالنسبة لي دومًا أرى أسلوبا يعجبني وأنتظر معه المشروع المناسب لتجريبه، قد يكون أسلوبًا معينًا في التصوير، أو طريقة جديدة في تنضيد الحروف. كما أن الأمر لا يقتصر على تجربة أساليب الآخرين، قد يفتح لك المشروع الباب أمام تجربة شيء جديد لم يتم العمل عليه من قبل، وهو من الأشياء التي تحدثنا عنها عدة مرات أن التصميم مجال تجريبي بامتياز.
حالما ترسل الخيارات تصبح الكرة في ملعب العميل، وتنتظر حينها النتيجة، هل وفقت في فهمه وفهم مشروعه أم لا؟ في أغلب الحالات التي عملت عليها، جاءت ردود العملاء الأولية على الخيارات ايجابية، وتأتي عادة مع طلب لتطوير أحد الخيارات أكثر، أو دمج خيارين مع بعضهما، وهو ما تفعله في الأغلب، لكن توقع أن تعود مجددًا إلى التصميم لتقديم خيار إضافي أو اثنين، وبعد اعتماد خيار نهائي تنتهي عندها بإعداد ملفات الشعار النهائية بالاضافة إلى التطبيقات البصرية التي تم الاتفاق عليها في اتفاقية العمل الموقعة، ومن ثم تسليمها للعميل بشكل نهائي. يتوجب التوضيح هنا أنه بالتأكيد ستكون حالات لن يرضى العميل بكل الخيارات التي قدمت له، وهي حالات ضرورية للانتباه لموطن القصور وأيضا لأن “الحلو ما يكملش” :). وفي بعض الحالات النادرة لن تنجح لأن العميل خلالها كان غبيا كفاية ليفسد العمل.
الملاحظة:
وبما أنها عملية تتطور فيها، فهي عملية تخصك وحدك، لا توجد مراحل ثابتة، فالجميع لديهم أسالبيهم في العمل ومراحلهم وقد تتشابه مراحلك بشكل أو بآخر مع مراحل وأساليب العمل لدى الآخرين، أو أساليب العمل المعروفة، وهنا تتوجب الإشارة إلى أن لكل شيء ايجابيات وسلبيات، أهمية وإيجابية هذا الأسلوب أنه يحدد المراحل كلها ويضع المصممين في نطاق عمل محدد واضح كما أنه يسهل عليهم التعامل مع كل مشروع يصلهم بنفس النظام ويسهل من تواصلهم مع العميل والتدرج معه في المراحل التفكير ليبقوا على نفس المستوى وليتحدثوا نفس اللغة. لكن من سلبياته أنه نظام أتى ليحدد ويضبط عملية الإنجاز، أي أنه يتدخل بشكل أو بآخر في العملية الابداعية للمصممين، ما يحجم من قدراتهم ويقيدهم أحيانا، حيث أنه بشكل ما نظام يرنو إلى ما هو متوقع ولا يسمح بالمخاطرة والفوضى لأهداف متعلقة بالشؤون المالية للمؤسسة، فكما تحدثنا في المرحلة الثانية عن التجريب والاكتشاف فهذه العملية قد تتسبب في تأخير المشروع، مع أنها مهمة للمصمم لتقديم شيء ابداعي جديد ومضرة بالمؤسسة التي لديها مواعيد تسليم والتزامات مالية محددة؛ لذلك فالعملية الابداعية مع هذا الأسلوب هي تحت ضغط كبير وتتطلب سرعة في التفكير والانجاز.
أحدث التعليقات