النسخ الجديدة من الهويات البصرية في السوق تكاد تتماثل فيما بينها، في الأصل هي متماثلة من البداية لكن سابقا لم تكن معارض الأعمال الفنية ومشاريع المصممين منتشرة بهذا القدر ومتاحة لجمهور بهذا الشكل، ما يجعل المتلقي يراها لكثرتها متشابهة، خاصة وفن التصميم الغرافيكي يقف في الوسط كحرفة ومهنة وفن وابداع وعمل، لذلك يسعى المصمم لضبط هذه العملية بشكل يوازن الفن والمهنة معا، وهو ما يقوده في النهاية إلى الالتزام بالمضمون كمهنة أكثر منه فن.
هنا نتحدث عن العموم، أي عن التجارب العامة المنتشرة بين المصممين، حيث يأتي التجديد في أعمالهم بعد ملاحظة ضمان التجديد والمغامرة لدى قلة من المصممين والفنانين من ينحون إلى التجربة والمغامرة، ما يجعل أعمالهم التجريبية معيارًا جديدًا ومضمونا لأعمال بقية المصممين لاتخاذها كنماذج لأعمالهم وللحفاظ على مهنتهم كمصممين.
تجربة المصمم الألماني أوتل آيشر في الآلعاب الأولمبية 1972 كانت سبباً مهماً في تطور البيكتورغرام ومن ثم تطور الرموز البصرية عبر العالم لتستخدم في الأماكن العامة بالشكل الذي نراه حالياً.
اعتماد أسس فن التصميم الغرافيكي والفنون التشكيلية كمنطلق لتجديد الهويات البصرية أثبت بشكل متكرر نجاحه في معظم الحالات. لمن لا يعرف، التصميم الغرافيكي يؤمن بشدة بالتجربة وملاحظة النتائج الفنية الناتجة عن التجربة، لذلك فاننا نلاحظ أن عددًا معتبرا من المجددين في الهويات البصرية هم ذوي تكوين أكاديمي في فن التصميم، حيث يتيح لهم هذا الجانب القدرة على إخضاع أي مشروع لتجربة فنية وتطبيقية بصرية ينتج عنها هوية بصرية لها اسلوب منفرد وجديد غير مكرر.
يتم هذا باستخدام عناصر التصميم الأساسية وادخال عناصر جديدة منها واعتماد مبادئ التصميم والتلاعب بهما، يعطي على الأغلب نتائج فريدة، بحسب قدرة المصمم على التجربة وقدرته على الخيال وهي أمور من السهل التحكم بها من خلال التكرار والتحسين مع الوقت. في الحقيقة هذا جانب مهم ليحدد المصمم أسلوبه من خلاله، ذوي المهارات الحرفية أو المصممين ذوي المهارات الحرفية الخاصة يتمكنون من تطويع تلك المهارات بجانب تكوينهم الآكاديمي للخروج بشيء جديد أيضا، هذه المهارات قد تكون أي شيء تتصوره، النجارة، الحدادة، فنون التعليب، النسيج وغيره، هذا الأمر ساعد الفنون التشكيلية على الخوض في تجارب فنية جديدة، وهو ما أمكن ويمكن ويجب تطويعه في مجال التصميم الغرافيكي والهويات البصرية.
أثارت تجربة فيوتشربراند الأخيرة موجة عارمة من السخط، حيث يبدو واضحاً من خلال الهوية التي قدمتها أنها سعت لتجربة أمور بصرية جديدة لم يستسغها الجمهور.
دمج الأساليب أيضا قد يكون نقطة بداية لأسلوب جديد على المصمم ويوفر له تجديدًا خاصا به في أعماله المستقبلية، أيضا هذه الأساليب ليست جديدة، فالمتتبع للمدارس الفنية في أوروبا وتطورها يعلم أنها مدارس تتطور من أساليب سابقة، ومن أساس فني موجود بالفعل، لكنه يبقى مرتبطًا دوما بطبقة معينة من الناس، في حالة التصميم الغرافيكي فإن الأساليب الفنية المختلفة والمبتكرة تقدم مباشرة للمتلقي.
لا يمكنك تخيل وصول دبي لشعار مثل هذا لولا التجربة في دمج الحروف العربية باللاتينية على الرغم من أنها أساليب كتابة مختلفة كلية عن بعضها البعض.
دعونا نعود إلى المراحل المعتادة في العمل على أي هوية بصرية، تعمل الشركات في الأغلب على اختيار مصمم أو مجموعة من المصممين ذوي السمعة الطيبة في مجال التصميم والهويات البصرية، وما كانوا ليكونوها لولا قدرتهم على التجريب والاختبار، وتضع الشركات مراحل مختلفة لانجاز مشروع معين، أولها لقاء العميل ومعرفة المشروع ونبذة عنه، ومن ثم تبدأ عملية البحث البصري للوصول إلى الحل البصري الأمثل للمشروع، هذا البحث البصري هو أهم نقطة تعنينا هنا، حيث يعتمد بشكل كبير على خيال وقدرة المصممين على تجربة الأفكار جديدة والمغامرة قي اقتراح تطبيقات بصرية جديدة، وهنا تأتي بيئة الشركة وفلسفتها ورؤيتها في مدى ما تتيحه من مساحة للمصممين فيها للتجربة، وهو ما يعتبر تحديا كبيرا، فالشركات تبقى شركات في كل الأحوال غايتها الربح والبحث عن مزيد من المشاريع والمضي قدما بما هو مضمون، لذلك يجد المصمم نفسه أمام تحد كبير لا تدركه الشركات التي تغفل في الغالب وتتجاهل أحيانا طبيعة التصميم الغرافيكي التجريبية التي هي أساس التجديد وتقديم الأعمال المتفردة التي لم يسبق تقديمها للمتلقي. فتضع مصميمها في خانة الأعمال المضمونة والمتوقعة، وبالتالي إعاقة عملية التجديد المطلوبة.
أحدث التعليقات