لم أرغب في سماع الأغنية في البدء بسبب موقفي من أحمد مكي حول ما قدمه أثناء أزمة مصر-الجزائر، ورفضت مشاهدة أفلامه الأخرى التي لدي ملاحظات كثيرة عليها وأراها أفلاماً ميتة منذ ولادتها، تشاهد لمرة واحدة فقط في حياتها ثم تموت، وهي بالمناسبة أزمة تعاني منها أيضاً أغاني الراب عموماً، فالقليل منها فقط ما يعلق بالذهن.
“قطر الحياة” لأحمد مكي أصفها بالأغنية المتكاملة، كلمات وعبارات سهلة سلسة وعميقة تروي قصة، لحن وتوزيع هادئين يساعدان على الانتباه إلى كلام دون ضجيج أو تغطية عليه، كليب بإخراج ذكي في ترجمة قصة الأغنية مع تمثيل احترافي.
من شاهدوا الأغنية تحدثوا مباشرة عن المدمنين و”آخرتهم السودة” وكيف ينتهي بهم المطاف. لكني أرى أن الأغنية والفيديو كليب لا يتحدثان عن مدمن المخدرات ولا يلقيان عليه سوى نصف التهمة.
أنا لا أرى في هذا الفيديو كليب والأغنية سوى الجزء الآخر من القصة، السنوات التي أكلتنا وتأكلنا كشباب دون أن نحقق شيئاً يذكر، المجتمع العربي الغبي وتأثيره السلبي فينا وعلينا، تصرفات العوائل مع أفرادها وتأثيرها في نفسيتهم وكيف أن تقييمهم للشباب إما غني مترف يعيش في بحبوحة وإما فقير “معفن” لا يصلح لشيء ويستحق كل السب واللعن اليومي المتواصل عليه، حالة العطل التام التي أصبنا بها كأجيال شابة أصبحنا وكأننا في حرب يومية من أجل كرامة مادية تريحنا، ومع هذا فلا شيء نستطيع تحقيقه، لا نستطيع الزواج ولا نحظى بسكن خاص، نكبر وكل الهموم تكبر معنا، تجد أنه ما يزال الوالد يعيل أولاده من بلغوا الثلاثين وأكثر، وتشتد نظرته الساخطة عليهم وهم لا حول ولا قوة فيفرون إلى حياة الشارع ليبتعدوا عنه.
الشخصية التي قدمها أحمد مكي أشفقت عليها كثيراً، لأن هناك إيمان “عن حمق” يسيطر على العقول بأن مصير الانسان يحدده بنفسه وبأن حياتنا من صنع أنفسنا، من ولدوا في رغد من الحياة ويتهمون الآخرين بالعبث عليهم مراجعة تفاصيل حياتهم قبل وصمهم ووصفهم بالسلبية والفساد، ربما يمتلك الانسان 50 في المائة من القرار في تحديد مصيره، الـ 50 في ىالمائة الاخرى يملكها الآخرون بشكل أو بآخر، يذكرني ما شاهدته بـ “سوءة” الكلام متكرر حول ما يعرف بقصص النجاح والتنمية البشرية التي لا تنظر لشيء اسمه الواقع وتبقى تتحدث بسريالية وخيالية غريبة عن حياة الأشخاص وكأنها معادلة رياضية من الدرجة الاولى قابلة للحل، والكلام المتواصل عن الإيجابية وضرورة أن تكون إيجابياً وهو الأمر المستحيل لدى شخصية مثل التي في كليب قطر الحياة.
مقال جميل أخي ,بارك الله فيك