فيما يعرض فيلم إمراة من ذهب فكرة جوهرية عن اللوحات الفنية، يتراءى لي الفكرة القائمة من خلف الشعارات والرموز البصرية بشكل عام.
يتحدث الفيلم عن القضية التي رفعتها ماريا آلتمان ضد الحكومة النمساوية لاسترجاع أعمال عائلتها الفنية التي نهبها النازيون وقت الحرب العالمية الثانية، ماريا آلتمان فرَّت مع زوجها المغني الأوبرالي من الحرب تاركة عائلتها ومنزلها خلفها، كان معروف بكونها عائلة فنية وتقدر الفن، وكان منزلها يحتوي واحدة من أهم اللوحات الفنية حالياً والتي تسمى بموناليزا النمسا، وهي لوحة بورتريه رسمها جوستاف كليمت لعمة ماريا “آيدلي بلوخ باور” والتي رسمها خلال ما يعرف بفترته الذهبية.
إلى جانب قاعات المحاكم والحوارات المليئة بالعبارات القانونية، يحاول الفيلم تذكيرنا بالأساس الذي تنطلق منه اللوحات والأعمال الفنية، أنها عبارة عن ترجمة لتجارب شخصية وحياة بشرية ومشاعر وأحلام انسانية، ومنه يقودنا المخرج إلى الحق الذي تطالب به ماريا آلتمان، حين تتحدث عن اللوحة كحق عائلي لها، يمثل حياتها وعائلتها وكل ما عاشته في طفولتها، بالأخص عمتها المرسومة في اللوحة، ويذكرنا بأن أي لوحة فنية يبدأها أي فنان، ليس بالضرورة أن يكون الهدف التجاري منطلق لها – وعلى الأغلب العكس-، بل التجربة الفنية التي تعني الفنان صاحبها نفسه وما يشعر به وما يرغب في قوله من خلالها، إلى جانب التقنيات التي يستعملها ليترجم تجاربه فيها، لذلك من النادر أن تجد من يقول عن لوحة فنية أنه كان يجدر بها أن تكون كذا أو كذا لأجل أغراض تجارية بحتة.
وهو ما ينطبق على التجارب الأولى التي يبدأها مصمموا الشعارات لو أردت مقارنة الأمر بهم، فلو وضعنا الجدل القائم بشأن التصميم الغرافيكي إن كان فنا أم لا؟ أستطيع القول أن جل من اهتم بالشعارات بشكل حقيقي، هم أشخاص يقدسون الرموز البصرية وأثرها في حياة البشر، ينظرون إلى الرمز البصري بشكل يختلف تمامًا عن الرؤية التجارية التسويقية البراغماتية البحتة. وإن كانت جزءً لا يتجزأ من التجربة ككل.
فكثير من مصممي الشعارات لديهم ولع وهوس بالرمز البصري واختصاراته ودلالاته أو حتى انعدامها، فقط ذاك الشكل البصري البسيط المختزل والمطبوع ربما على ورقة صغيرة أو المعروض عند مدخل بناية فاخرة، معتمدين في ذلك على ثقافتهم البصرية وتجاربهم الفنية المتراكمة في تصميم الشعار، فيصبح الشعار الذي يصممونه خاضعًا لكل ما مروا به، ومحاولتهم إبعاد روحهم وشخصيتهم عن أي شعار يجعل من النتيجة غير مُرضية بالمرة، ولذلك يفشل العديد من مصممي الشعارات في التعامل معها كمهنة، إن محاولة اخضاع المصمم للشعار للقواعد المهنية التسويقية يفقده خصوصيته وروحه ويقود بشكل مباشر إلى فشل في تصميم شعار بالمستوى المطلوب. لأن عملية تصميم الشعار بالأساس تعتمد على تجارب وشخصية المصمم نفسه، حتى وإن كان الهدف مادي من وراء تصميم الشعار، لذلك ما يحدث حاليًا أن هناك قواعد وهمية بدأت توضع أمام كل مصمم شعارات ليلتزم بها، تلك القواعد وضعت لأجل نجاح الأعمال التجارية والتسويقية والتي تنظر إلى الأمر بشكل علمي عملي بحت، متجاهلة شخصية المصمم ونظرته للأمور والتي هي الأساس لأسلوبه الفريد في تصميم الشعارات، ومحاولة اخضاعه لانتاج شعارات مضمون نجاحها تجاريًا.
قد تكون المقارنة بين اللوحات الفنية التشكيلية وتصميم الشعارات أو التصميم الغرافيكي ضرب من الجنون والسخافة، كما أن تصميم الشعارات يعتمد بشكل كبير على الأعمال والمشاريع التجارية وهو ما يجعلها كمهنة بين الشد والجذب لا تستطيع وضع قدمها على أرض دون الأخرى، خاصة وأن التصميم الغرافيكي يُنظر له كالقسم العملي التجاري للفنون. إلا أني لا أقدر سوى اعتبار تصميم الشعارات كأي عملية فنية أخرى تمر بها أي لوحة تشكيلية.
تصميم الشعارات هو أب الفنون البصرية بداية من النقوش والرايات وانتهاء بالهويات، في عصرنا أصبح تصميم الشعارات مسألة تجارية في أغلبها تخضع لطلب الزبون وهذا لا ينقص من “فنية” التصميم في شيء، الفيصل هنا هو في رضا المصمم عن عمله أو لا، إن كان راضيا عنه ولو تدخل الزبون في التفاصيل هنا نعتبر العمل فنيا يخضع لمقاييس الجمال من ناحية الجودة والرداءة، أما إن كان المصمم غير راض عن عمله لان الزبون أراده هكذا، فهذه سلعة وليست فنا..
هذا من ناحية الجهة المبدعة ، اما من ناحية الجهة المتلقية فهذا فن طالما انه ليس علما، لان لا منتوج بشري يخرج إلى غيرهما، تبقى هذه الجهة وحدها هي من تحدد مقدار “فنيته” ..
بالمناسبة اللوحة أيضا مليئة بالرموز البصرية